الحمد لله،
والصـلاة والـسـلام عـلـى مـولانـا رسـول الله وآلـه وصـحـبـه.
شـعـبـي الـعـزيـز،
لـقـد عـهـدتـنـي، مـنـذ تـحـمـلـت أمـانـة قـيـادتـك، دائـم الانـشـغـال بـقـضـايـاك، مـتـجـاوبـا مـع تطـلـعـاتـك، حـريـصـا عـلـى إشـراكـك فـي إيـجـاد الحـلـول النـاجـعـة، لـرفـع التـحـديـات الكـبـرى للـوطـن، بـروح الالـتـزام والـتـعـبـئـة، والـعـمـل والأمـل. وسـيـرا عـلـى هـذا الـنـهـج، وبـعـد إمـعـان النـظـر فـيـمـا استـخـلـصـتـه مـن وقـوفـي المـيـدانـي الـمـوصـول عـلـى أحـوالـك، فـي مـخـتـلـف جـهـات الـمـمـلـكـة، فـقـد قـررت أن أخـاطـبـك الـيـوم بـشـأن قـضـيـة تـهـم الـمـغـاربـة جـمـيـعـا فـي الـعـمـق. قـضـيـة تـسـائـل كـل الـمـؤسـسـات، والفـاعـلـيـن السـيـاسـيـيـن والنـقـابـيـيـن، والاقـتـصـاديـيـن، والهـيـئـات الجـمـعـويـة. بـل إنـهـا تـشـكـل الـهـاجـس الـمـلـح لـكـافـة الأسـر والـمـواطـنـيـن. إن الأمـر يتـعـلـق بـالمـعـضـلـة الاجـتـمـاعـيـة، الـتي نـعـتـبـرهـا بـمـثـابـة التـحـدي الأكـبـر، لـتـحـقـيـق مـشـروعـنـا الـمـجـتـمـعـي الـتـنـمـوي، والـتـي قـررنـا، بـعـون الله وتـوفـيـقـه، أن نـتـصـدى لـهـا بـإطـلاق مـبـادرة طـمـوحـة وخـلاقـة، باسـم “الـمـبـادرة الـوطـنـيـة للـتـنـمـيـة الـبـشـريـة”.
وتـنـدرج هـذه الـمـبـادرة ضـمـن رؤيـة شمـولـيـة، تشـكـل قـوام مـشـروعـنـا الـمـجـتـمـعـي، الـمـرتـكـز عـلى مبـادئ الديـمـقـراطـيـة السـيـاسـيـة، والفـعـالـيـة الاقـتـصـاديـة، والتـمـاسـك الاجـتـمـاعـي، والـعـمـل والاجـتـهـاد، وتـمـكـيـن كـل مـواطـن مـن الاسـتـثـمـار الأمـثـل لـمـؤهـلاتـه وقـدراتـه. ومـن هـذا المـنـظـور المـسـتـقبـلـي المـتنـاسـق، قـمـنـا بـإصـلاحـات عمـيـقـة، وأطلـقـنـا مـشـاريـع هـيـكـلـيـة، مـكـنـتـنـا مـن تـحـقـيـق مـكـاسـب هـامـة، عـلـى درب تـرسـيـخ دولـة الـحـق والـقـانـون، وتـوسـيـع فـضـاء الحـريـات، والنـهـوض بـحـقـوق الـمـرأة والـطـفـل، وبـأوضـاع الفـئـات الاجتـمـاعـيـة التـي تـعـانـي الفـاقـة والضـعـف. وقـد قـطـعـنـا أشـواطـا مـتـقـدمـة فـي بـنـاء اقـتـصـاد عـصـري ومـنـتـج، مـن خـلال الـمـشـاريـع الـكـبـرى، خـاصـة فـي مـجـال الـتـجـهـيـزات الأسـاسـيـة، وتـأهـيـل الـنـسـيـج الإنـتـاجـي الـوطـنـي، واتـخـاذ عـدة تـدابـيـر لـتـحـفـيـز الاسـتـثـمـار والـمـبـادرة الـحـرة.
فـضـلا عـمـا أنـجـز فـي إطـار الـسـيـاسـات الـقـطـاعـية، وبـرامـج الـتـنـمـيـة الـجـهـويـة، الـتـي أعـطـيـنـا انـطـلاقـتـهـا مـؤخـرا بـالـجـهـة الـشـرقـيـة، وجـهـة سـوس-مـاسـة درعـة، تـعـزيـزا لـمـا تـم إنـجـازه، مـنـذ سنـوات، بالـجـهـات الشـمـاليـة والجـنـوبـيـة للمـملـكـة. كـمـا حـرصـنـا عـلـى تـوفـيـر الـوسـائـل والآلـيـات، الـكـفـيـلـة بـالـدفـع قـدمـا بـعـمـلـيـة الـتـنـمـيـة. وفـي مـقـدمـتـهـا صـنـدوق الـحـسـن الـثـانـي لـلـتـنـمـيـة الاقـتـصـاديـة والاجـتـمـاعـيـة. عـلاوة عـلى تـسـريـع وتـيـرة إنـجـاز الـبـرامـج الـوطـنـيـة، لـلـتـزويـد بـالـمـاء الـشـروب، والـكهـربـة الـشـامـلـة للـعـالـم الـقـروي وفـك الـعـزلـة عـنـه. شـعـبـي الـعـزيـز، إن الـمـبـادرة الـتـي نـعـطـي انـطـلاقـتـهـا الـيـوم، تـعـتـبـر لـبـنة جـديـدة لاسـتـكـمـال بـنـاء هـذا الـصـرح، وتـوطـيـد أركـانـه. وهـي تـعـتـمـد أربـع ركـائـز مـرجـعـيـة أسـاسـيـة. فـهـي فـي الـمـقـام الأول، تـسـتـنـد عـلـى المـعـطـيـات المـوضـوعيـة للإشـكـالـيـة الاجتـمـاعـيـة فـي المـغـرب. تـلـكـم المـعـطـيـات التـي تـتـجـلـى فـي كـون فـئـات ومـنـاطـق عـريـضـة تـعـيـش ظـروفـا صـعـبـة، بـل وتـعـانـي مـن حـالات فـقـر وتـهـمـيـش، تـتـنـافـى مـع مـا نـريـده مـن كـرامـة مـوفـورة لـمـواطـنـيـنـا. فـالـعـديـد مـن الأحـيـاء الـحـضـريـة الصـفـيـحـيـة أو الـمـحـيـطـة بـالـمـدن، وكـذا الـكـثـيـر مـن الـجـمـاعـات، الـتـي يـوجـد معـظـمـهـا بـالـوسـط الـقـروي، تـفـتـقـر إلـى أبـسـط الـمـرافـق والخـدمـات والـتجـهـيـزات الاجـتـمـاعـيـة الـضـروريـة.
وتـعـتـبـر مـرتـعـاً خـصـبـا لاسـتـفـحـال معـضـلات الأميـة والبطـالـة والإقـصـاء، أو الانقـطـاع عـن التـمـدرس، وضـعـف فـرص الـشـغـل، والأنـشـطـة الـمـدرة لـلـدخـل. ومـثـلـمـا لا يـكـفـي الـقـول بـأن هـذه الـوضـعـيـة غـيـر مـقـبـولـة ، فـإن مـجـرد الاقـتـصـار عـلـى تـشـخـيـصـهـا هـو الآخـر، لا يـسـمـن ولا يـغـنـي مـن جـوع، لأنـه يـظـل غـيـر ذي جـدوى، مـا لـم يـقـتـرن بـالـعـمـل الـجـاد والـمـلـمـوس، الـكـفـيـل بـمـعـالـجـتـهـا وتـغـيـيـرهـا إلـى الأحـسـن. كـمـا أن مـصـداقـيـة تـشـخـيـص الـوضـعـيـة الاجـتـمـاعـيـة، إنـمـا تـقـاس بـمـدى نـبـل الـدوافـع وسـمـو الـطـمـوح، الـذي يـحـدونـا، لـتـحـقـيـق الـتـقـدم الاجـتـمـاعـي. وبـهـذا الـمـعـيـار، فـإن أي اسـتـغـلال لـلـبـؤس الاجـتـمـاعـي، لأغـراض سـيـاسـويـة، أو لإذكـاء نـعـرة الـتـطـرف، أو لإشـاعـة روح الـتـشـاؤم والانـهـزامـيـة والـيـأس، أمـر مـرفـوض أخـلاقـيـا، بـاعـتـبـاره ضـربـاً مـن الـتـضـلـيـل والـمـغـالـطـة. وتـنـبـع مـبـادرتـنـا، فـي الـمـقـام الـثـانـي، مـن اقـتـنـاعـنـا بـأن إعـادة الـتـأهـيـل الاجـتـمـاعـي عـمـليـة مـعـقـدة، شـاقـة وطـويـلـة الـنـفـس، لا يـمـكـن اخـتـزالـهـا فـي مـجـرد تـقـديـم إعـانـات ظـرفـيـة، أو مـسـاعـدات مـوسـمـيـة مـؤقـتـة. كـمـا لا يـمـكـن الـتـعـويـل فـيـهـا عـلـى الأعـمـال الـخـيـريـة، أو الإحـسـان الـعـفـوي، أو الاسـتـجـابـة لـوازع أخـلاقـي، أو لـصـحـوة ضـمـيـر.
ومـع حـرصـنـا عـلـى ضـرورة الـتـشـبـع الـمـسـتمـر بـهـذه الـفـضـائـل، وإسـهـامـاتـهـا الـمـحـمـودة، فـإنـنـا نـعـتـبـر أن الـتـنـمـيـة الـفـعـالـة والـمـسـتـدامـة لـن تـتـحـقـق إلا بـسـيـاسـات عـمـومـيـة مـنـدمـجـة، ضـمـن عـمـلـيـة مـتـمـاسـكـة، ومـشـروع شـامـل، وتـعـبـئـة قـويـة مـتـعـددة الـجـبـهـات، تـتـكـامـل فـيـهـا الأبـعـاد السـيـاسـيـة والاجـتـماعـيـة، والاقـتـصـاديـة والـتـربـويـة والثقـافـيـة والبـيـئـيـة. ومـن هـذا الـمـنـظـور، فـإن هـدفـنـا الأسـمـى مـن وراء تـحـقـيـق هـذا الـمشـروع، هـو تـوسـيـع دائـرة الاسـتـفـادة مـن الإمـكـانـات الـمـتـوفـرة، وإتـاحـة أكـبـر قـدر مـن فـرص الاخـتـيـار أمـام كـل الـمـغـاربـة، رجـالا ونـسـاء. وهـو الأمـر الـذي لن يـتـأتـى إلا بـالـعـمـل عـلـى استـئـصـال آفـة الفـقـر والـبـؤس، الـتـي تـقـف عـقـبـة فـي وجـه اسـتـثـمـار الـمـواطـن الـمـغـربـي لمـؤهـلاتـه الـذاتـيـة، وتحـول دون إسـهـامـه وانـدمـاجـه الـكـامـل فـي الـحـيـاة الاجتـمـاعـيـة والاقـتـصـاديـة. وإذا كـان مـسـتـوى الـنـمـو الاقـتـصـادي غـيـر مـكـتـمـل ولا مـنـصـف، مـا دامـت ثـمـاره لـم تـشـمـل كـل الـفـئـات والـجـهـات، إذ لا يـزال بـعـضـهـا يـعـانـي تـدنـي ظـروف الـعـيـش والـتـهـمـيـش ؛ فـإنـه لا يـنـبـغـي الـنـظـر إلـى الإدمـاج الـذي نـتـوخـاه نـظـرة تـبـسـيـطـيـة ومـحـدودة، بـحـيـث تـعـتـبـره عـبـئـا ثـقـيـلا عـلـى الـنـمـو.
فـي حـيـن أنـه يـعـد شـرطـا أسـاسـيـا للـعـمـلـيـة الـتـنـمـويـة، ومـحـفـزا قـويـا لـهـا. أمـا الـمـرتـكـز المـرجـعـي الثـالـث لـلـمـبـادرة، فـهـو خـيـار الانـفـتـاح، الـذي اعـتـمـدنـاه، بـكـل مـسـؤولـيـة، للانـخـراط فـي عـالـم يـعـرف تـحـولات مـتـسـارعـة، وتـغـيـرات عـمـيـقـة، ويـفـرض بـالـتـالـي إكـراهـات، وتـحـديـات، تـعـرض تـمـاسـك الـروابـط الاجـتـمـاعـيـة والـتـرابـيـة للـهـشـاشـة، وتـفـرض أنـمـاطـا للـعـيـش والاسـتـهـلاك، ونـمـاذج فـكـريـة كـاسـحة، لا يـمـكـنـنـا تـفـاديـهـا أو تـجـاهـلـهـا. لـذلـك، فـإن تـحـصـيـن مـكـاسـبـنـا مـن انـعـكـاسـات الانـفـتـاح، مـع الاسـتـفـادة مـمـا يـوفـره مـن فـرص ثـمـيـنـة وإمـكـانـات هـامـة، لـن يـتـأتـى إلا بـتـعـبـئـة كـل الـمـغـاربـة، وانـخـراطـهـم الـفـاعـل فـي عـمـل جـمـاعـي، بـدل الانـغـلاق الـمـفـضـي إلـى الـطـريـق الـمـسـدود، أو اللـجـوء إلـى الـحـلـول الذاتـيـة، الـمـنـافـيـة للـمـصـلـحـة العـلـيـا للـوطـن. وتـنـطـلـق هـذه الـمـبـادرة رابـعـا وأخـيـرا، مـن الـعـبـر الـمـسـتـخـلـصـة مـن تـجـاربـنـا السـابـقـة، ومـن الـنـمـاذج الـمـوفـقـة لـبـعـض الـبـلـدان، فـي مـجـال مـحـاربـة الـفـقـر والإقـصـاء، الـتـي تـدل عـلـى أن رفـع هـذا الـتـحـدي، رهـيـن بـالـتـحـديـد الـمـضـبـوط لـلأهـداف، وبـالـتـعـبـئـة الـشـامـلـة لـبـلـوغـهـا. كـمـا تـدلـنـا تـلـك الـتـجـارب عـلـى مـحـدوديـة جـدوى الـمـقـاربـات الـتـنـمـويـة غـيـر الـمـنـدمـجـة، ذات الـطـابـع الـقـطـاعـي الانـفـرادي، المـنـعـزل عـن بـاقـي القـطـاعـات الأخـرى. فضـلا عمـا تـؤدي إلـيـه مـن الاخـتـلالات النـاجـمـة عـن تـعـدد الفـاعـلـيـن، وتـشـتـيـت الـجـهـود، وتـبـذيـر المـوارد. إنـهـا تـجـارب تـؤكـد، عـلـى الـعـكـس مـن ذلـك، مـدى نـجـاعـة الأسـالـيـب الـتـي تـسـتـهـدف الـتـحـديـد الـدقـيـق للـمـنـاطـق والـفـئـات الأكـثـر خـصـاصـة، وأهـمـيـة مـسـاهـمـة الـسـكـان، ونـجـاعـة الـمـقـاربـات الـتـعـاقـديـة والـتـشـاركـيـة، وديـنـامـيـة الـنـسـيـج الجـمـعـوي الـمـحـلـي، لـضـمـان الانـخـراط الـفـاعـل، فـي مـشـاريـع الـتـنـمـيـة عـن قـرب واسـتـمـرارهـا، بـاعـتـبـارهـا مـكـسـبـا لـهـم.
وتـأسـيسـا عـلـى هـذه المـقـومـات والمـرجـعيـات والـتـجـارب، فـإن الـمـبـادرة الـتـي نـطـلـقـهـا الـيـوم، يـنـبـغـي أن تـرتـكـز عـلـى الـمـواطـنـة الـفـاعـلـة والـصـادقـة. وأن تـعـتـمـد سـيـاسـة خـلاقـة، تـجـمـع بـيـن الـطـمـوح والـواقـعـيـة والـفـعـالـيـة، مـجـسـدة فـي بـرامـج عـمـلـيـة مـضـبـوطـة ومـنـدمـجـة، قـائـمـة عـلـى ثـلاثـة مـحـاور :
أولـهـا : الـتـصـدي لـلـعـجـز الاجـتـمـاعـي، الـذي تـعـرفـه الأحـيـاء الـحـضـريـة الـفـقـيـرة، والـجـمـاعـات الـقـرويـة الأشـد خـصـاصـة. وذلـك بـتـوسـيـع اسـتـفـادتـهـا مـن الـمـرافـق والخـدمـات والـتـجـهـيـزات الاجـتـمـاعـيـة الأسـاسـيـة، مـن صـحـة وتـعـلـيـم، ومـحـاربـة للأمـيـة، وتـوفـيـر للـمـاء وللـكـهـربـاء، وللـسـكـن اللائـق، ولشـبـكـات الـتـطـهـيـر، والـطـرق، وبـنـاء الـمـسـاجـد، ودور الـشـبـاب والـثـقـافـة، والـمـلاعـب الـريـاضـيـة.
وثـانـيـهـا : تـشـجـيـع الأنـشـطـة المـتـيـحـة للـدخـل الـقـار والـمـدرة لـفـرص الـشـغـل، مـع اعـتـمـاد تـوجـه حـازم يـتـوخـى ابـتـكـار حـلـول نـاجـعـة لـلـقـطـاع غـيـر الـمـنـظـم ؛ داعـيـن الـحـكـومـة وكـل الـفـرقـاء فـي هـذا الـشـأن إلـى جـعـل الـمـنـاظـرة الـوطـنـيـة الـمـقـبـلـة للـتـشـغـيـل، فـرصـة سـانـحـة لإجـراء حـوار واسـع وبـنـاء، واقـتـراح حـلـول عـمـلـيـة لـبـطـالـة الـشـبـاب.
وثـالـثـهـا : العـمـل عـلـى الاسـتـجـابـة لـلـحـاجـيـات الـضـروريـة، لـلأشـخـاص فـي وضـعـيـة صـعـبـة، أو لذوي الاحـتـيـاجـات الخـاصـة لانـتـشـالـهـم مـن أوضـاعـهـم الـمـتـرديـة، والـحـفـاظ عـلـى كـرامـتـهـم، وتـجـنـيـبـهـم الـوقـوع فـي الانـحـراف أو الانـغـلاق، أو الـفـقـر الـمـدقـع . وإذا كـان مـن غـيـر الـمـمـكـن، مـن الـنـاحـيـة الـمـاديـة إنـجـاز هـذه الـمـبـادرة دفـعـة واحـدة، عـلـى مـسـتـوى جـميـع الـجـهـات والـفـئـات ؛ فـإن مـن الأصـوب اعـتـمـاد مـعـايـيـر مـوضـوعـيـة، قـائـمـة عـلـى مـدى الاسـتـعـجـال والـحـاجـة الـمـلـحـة، لـتـحـديـد الـمـستـهـدفـيـن بالأسـبـقـيـة.
وهـكـذا سـتـسـتـهـدف هـذه الـمـبـادرة، فـي الـمـرحـلـة الأولـى لانـطـلاقـهـا، الـتـأهـيـل الاجـتـمـاعـي، لـ360 مـن الـجـمـاعـات الأشـد خـصـاصـة فـي الـعـالـم الـقـروي، و250 مـن الأحـيـاء الـحـضـريـة الـفـقـيـرة، الـعـتـيـقـة مـنـهـا والعـشـوائـيـة والصـفـيـحـيـة الـمـحـيـطـة بـالـمـدن، التـي تـتـجـلـى فـيـهـا المـظـاهـر الصـارخـة للإقـصـاء الاجـتـمـاعـي، والـبـطـالـة والانـحـراف والـبـؤس. كـمـا أنـهـا تـسـتـهـدف الـتـأهـيـل، بكـيـفـيـة مـتـدرجـة، سـواء للـطـاقـة الاستـيـعـابـيـة، أو لـنـوعـيـة مـراكـز الاسـتـقـبـال الـمـوجـودة، أو إيـجـاد أخـرى جـديـدة مـتـخـصـصـة، وقـادرة عـلـى اسـتـيـعـاب، ومـسـاعـدة الأشـخـاص فـي وضـعـيـة صعـبـة، كـالـمـعـوقـيـن، والأطـفـال الـمـتـخـلـى عـنـهـم، والـمـتـشـرديـن، والـنـسـاء الـمـعـوزات الـلـواتـي لا سـنـد ولا مـأوى لـهـن، والـعـجـزة والأيـتـام، الـذيـن لا مـعـيـل لـهـم.وإن مـحـدوديـة مـواردنـا الـمـاديـة، لـيـسـت مـبـرراً لـقـبـول هـذه الـوضـعـيـة الـمـزريـة، الـتـي لا نـرتـضـيـهـا لـشـعـبـنـا الأبـي.
فـإيـمـانـنـا الـقـوي، بعـبـقـريـتـنـا الـوطـنـيـة، وقـدرتـنـا عـلـى الابـتـكـار والاجـتـهـاد، وبـمـواردنـا الـبـشـريـة الـمـؤهـلـة، المـدعـومـة بـعـزمـنـا الـراسـخ، والـمـسـتـمـدة مـن قـيـمـنـا الأصـيـلـة، لـهـي الـوسـائـل الـحـقـيـقـيـة، الـتـي نـعـتـمـدهـا لـبـلـوغ الأهـداف الـطـمـوحـة، الـتـي حـددنـاهـا لـهـذه الـمـبـادرة الـحـيـويـة. وحـرصـا عـلـى الـتـفـعـيـل الـدائـم لـهـذه الـمـبـادرة، بـكـيـفـيـة تـوفـق بـيـن الـتـقـيـد بـمـحـدوديـة زمـن كـل انـتـداب بـرلـمـانـي أو حـكـومـي، وبـيـن ضـمـان اسـتـمـرار هـذه الـمـبـادرة، ذات الـطـابـع الـوطـنـي ؛ فـإنـي أحـدد مـسـؤولـيـة الالـتـزام بـتـحـقـيـقـهـا فـي ثـلاثـة مـسـارات، قـصـيـرة ومـتـوسـطـة ودائـمـة. فـعـلـى الـمـدى الـقـريـب، كـلـفـت الـوزيـر الأول، بـالـسـهـر عـلـى أن تـنـكـب الـحـكـومـة عـلـى تـجـسـيـد هـذه الـمـبـادرة، فـي دفـعـتـهـا الأولـى، ضـمـن بـرامـج مـنـدمـجـة ومـلـمـوسـة، عـلـى أن يـرفـع إلـى نـظـرنـا الـسـامـي، فـي غـضـون الأشـهـر الـثـلاثـة الـقـادمـة، خـطـة عـمـل مـتـكـامـلـة، تـسـتـجـيـب لأهـداف هـذه الـمـبـادرة.
أمـا عـلـى الـمـدى الـمـتـوسـط، فـإنـه يـتـعـيـن عـلـى الـطـبـقـة الـسـيـاسـيـة، وهـي مـقـبـلـة عـلـى اسـتـحـقـاقـات حـزبـيـة وانـتـخـابـيـة، فـي أفـق سـنـة2007 ، أن تـجـعـل فـي صـلـب اهـتـمـامـاتـهـا بـلـورة مـشـاريـع مـلـمـوسـة لـتـجـسـيـد هـذه المـبـادرة، لأن أهـدافـهـا الـتـنـمـويـة، تـشـكـل جـوهـر الانـشـغـالات الـيـومـيـة لـلـشـعـب، والـمـحـك الـحـقـيـقـي لإعـادة الاعـتـبـار لـلـعـمـل الـسـيـاسـي. وأمـا عـلـى الـمـدى الـبـعـيـد، فـإن طـمـوحـي الـكـبـيـر، الـذي هـو طـمـوحـك شـعـبـي الـعـزيـز، يسـتـهـدف الارتـقـاء بـمـؤشـرات الـتـنـمـيـة البـشريـة لوطـنـنـا العـزيـز إلـى مـسـتـوى البـلـدان المـتـقـدمـة. وتـأكـيـدا للـصـبـغـة الـوطـنـيـة الـشـامـلـة لـهـذه الـمـبـادرة، فـقـد وجـهـنـا وزيـرنـا الأول بـأن يعـرضـهـا عـلـى البـرلـمـان، فـي جـلـسـة مخـصـصـة لـمـنـاقـشـتـهـا، بـمـا تـقـتـضـيـه مـن دعـم بـنـاء. وبـصـفـة عـامـة، نـدعـو الـحـكـومـة إلـى اعتـمـاد مـقـاربـة تـقـوم عـلـى الإصـغـاء والـتـشـاور مع كـل الـقـوى الـحـيـة لـلأمـة، مـن أحـزاب سـيـاسـيـة، ومـنظـمـات نـقـابـيـة، وجـماعـات محـلـيـة، وهـيـآت الـمـجـتـمـع الـمـدنـي، وقـطـاع خـاص. وحـتـى مـع المـواطـنـيـن الـذيـن لـهـم خـبـرة وغـيـرة فـي مـجـال الـتـنـمـيـة. كـمـا نـدعـوهـا إلـى نـهـج خـطـة عـمـل، ترتـكـز علـى مـبـادئ حـسـن التـدبـيـر، مـن مسـؤولـيـة وشـفـافـيـة، وقـواعـد الاحـتـرافـيـة، مـع إشـراك واسـع لـلـمـواطـنـيـن، وتـحـديـد وعـقـلـنـة مـجـال تـدخـل الـمـؤسـسـات، والأجـهـزة الـعـمـومـيـة. فـضـلا عـن المـتـابـعـة والـتـقـويـم المـسـتـمـريـن للـمـنـجـزات. وفـيـمـا يـخـص الـتـمـويـل، فـقـد قـررنـا أن تـرصـد لـلـمـبـادرة الـوطـنـيـة لـلـتـنـمـيـة البـشـريـة الاعـتـمـادات الـكـافـيـة، مـن المـيـزانـيـة العـامـة للـدولـة، وذلـك بـشـكـل قـار ودائـم. وفـي هـذا الـسـيـاق، يـجـب وضـع حـد للـحـلـول التـرقـيـعـيـة، والتـدابـيـر الـجـزئـيـة غـيـر الـمـجـديـة، الـمـتـنـافـيـة مـع ضـرورة دوامـهـا. كـمـا يـنـبـغـي أن يـقـوم الـتـمـويـل عـلـى إيـجـاد آلـيـة مـلائـمـة ومـتـمـيـزة، تـضـمـن اسـتـمـراريـة المـوارد، وتـسـهـيـل ونـجـاعـة مـسـاطـر التـنـفـيـذ.
ونـود الـتـأكـيـد فـي هـذا الـسـيـاق، عـلـى أنـه لـن يـتـم الـلـجـوء إلـى أي ضـرائـب أو تـحـمـلات جـبـائـيـة جـديـدة، لا علـى المـواطـن، ولا علـى المـقـاولـة. ويـجـب أن يـشـكـل تـفـعـيـل الـمـبـادرة الوطـنـيـة للـتـنـمـيـة البـشـريـة، فـرصـة للاجـتـهـاد والإبـداع والتـجـديـد، فـي آلـيـات وأسـالـيـب الـعـمـل الاجـتـمـاعـي. مـنـطـلـقـنـا فـي ذلـك أن تـكـون قـويـة التـأثـيـر فـي نتـائجـهـا، وغيـر مكـلـفـة فـي وسـائـلـهـا، ومـعـززة بـمـوارد بـشـريـة مـؤهـلـة، وآلـيـات مـراقـبـة ورصـد لظـواهـر الفـقـر والإقـصـاء، بـكـل مـوضـوعـيـة ويـقـظـة. شـعـبـي الـعـزيـز، إن الـمـبـادرة الـوطـنـيـة لـلـتـنـمـيـة الـبـشـريـة لـيـسـت مشـروعـا مـرحـلـيـا، ولا بـرنـامـجـا ظـرفـيـا عـابـرا، وإنـمـا هـي ورش مـفـتـوح بـاسـتـمـرار.
كـمـا أنـهـا لـيـسـت تـغـيـيـرا فـي الأسـبـقـيـات الـتـي حـددنـاهـا، بـل هـي تـأكـيـد وتجـسـيـد لالـتـزامنـا. إذ مـا فتـئـنـا فـي كـل منـاسـبـة نـؤكـد أسـبـقـيـة واسـتـمـراريـة مـا نـخـوضـه مـن مـعـارك مـوصـولـة، لـتـأهـيـل الـمـوارد البـشـريـة، وتـقـويـة الـتـنـافـسـيـة الاقـتـصـاديـة الـوطـنـيـة، وإدراج إنـعـاش الاسـتـثـمـار والمـبـادرة الخـاصـة والتـصـديـر، فـي إطـار مختـلـف السـيـاسـات القـطـاعيـة. وفـي هـذا الـصـدد، نـجـدد الـتأكـيـد عـلـى أهـمـيـة الـدور الـحـاسـم للـتـفـعـيـل الأمـثـل لإصـلاح مـنـظـومـة التـربـيـة والتـكـويـن، باعـتـبـارهـا رافـعـة أسـاسيـة للـتـعـبـئـة والإدمـاج الاجـتـمـاعـي. كـمـا نـؤكـد عـلـى حـاجـة بـلادنـا إلـى انـتـهـاج خـطـة مـحـكـمـة بـعـيـدة الـمـدى، فـي الـنـهـوض الـفـعـلـي بـالـتـنـمـية الـقـرويـة، والاسـتـثـمـار الأمـثـل لـمـواردنـا الـزراعـيـة.
ومـن مـنـطـلـق انـشـغـالـنـا الـقـوي، بـوجـوب الـتـضـامـن مـع الـعـالـم الـقـروي، لـمـواجـهـة الأوضـاع المـلـحـة، النـاجـمـة عـن سـنـة فـلاحيـة صـعـبـة، فإنـنـا نـؤكـد ضـرورة اتخـاذ حكـومـتـنـا للـتـدابيـر الاسـتعـجـاليـة الكـفـيـلـة بـالتـغـلـب عـلـى الظـرفـيـة الـراهـنـة. شـعـبـي الـعـزيـز، إن سـبـيـلـنـا لـيـظـل المـغـرب أمـة ناهـضـة، وبـلـدا متـحـركـا إلـى الأمـام، لهـو الـتـعـبـئـة مـن أجـل تـحـقـيـق هـذا المـشـروع النـبـيـل، الـذي نـدعـو الجـمـيـع لـلانـخـراط فـي مسـاره، فـي نـكـران ذات، وسـمـو عـن كـل الـحـسـابـات الـضـيـقـة. وتـشـبـعـا مـنـا بثـقـافـة التـقـويـم والمـحـاسـبـة لـكـل الـفـاعـلـيـن، فـي قـيـامـهـم بمـسـؤولـيـاتـهـم، التـي نـحـرص عـلـى تـرسـيـخـهـا فـي تـدبـيـر الـشـأن الـعـام، فـإنـنـا نـحـدد مـدة الـسـنـوات الثـلاث المـقـبـلـة، كـمـوعـد لتـقـيـيـم نـتـائـج هـذه المـبـادرة الـجـديـدة، ومـا ستـفـرزه مـن تغـيـيـر إيـجـابـي مـلـمـوس، فـي حـيـاة المـواطـنـيـن. وإنـه لـعـهـد وثـيـق يـجـب أن نـأخـذه جـمـيـعـا عـلـى أنـفـسـنـا لـتـكـريـس كـل الـجـهـود، مـن أجـل انـتـشـال الـفـئـات والـجـهـات الـمـحـرومـة مـن بـراثـن الفـقـر والإقـصـاء والتـخـلـف، وتمـكيـنـهـا مـن الأخـذ بـنـاصـيـة الـتـقـدم، وتـحـقـيـق التـنـمـيـة البـشـريـة الـمـسـتـدامـة، بـاعـتـبـارهـا الـمـعـركـة الأسـاسـيـة لـمـغـرب الـيـوم والـغـد. “وقـل اعـمـلـوا فـسـيـرى الله عـمـلـكـم ورسـولـه والـمـؤمـنـون”. صـدق الله الـعـظـيـم.
والسـلام عـلـيـكـم ورحـمـة الله تعـالـى وبـركـاتـه.